وأما ما نُسب إِلَى ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- من أنه قَالَ: ((وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)) [الإسراء:60] قال في هذه الآية: هي رؤيا عين أُوريها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به كما في كتاب التفسير من صحيح البُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
فإن هذه تدل عَلَى أن الإسراء كَانَ بجسده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن كلمة الرؤيا هنا تطلق رؤيا عَلَى المنام، وعلى الرؤية الحقيقية البصرية، وأكثر إطلاقها عَلَى المنامية، فخشي عبد الله بن عباس -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- أن يفهم أحد من قوله تعالى: ((وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ))[الإسراء:60] أن يفهم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرج به في المنام فقَالَ: رؤيا عين أُوريها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به، يعني: عرج به بجسده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أنه عرج في المنام.
ولا يدل عَلَى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه -عَزَّ وَجَلَّ-أي: أنه لم يخالف في ذلك ابن عباس وسائر الصحابة والأدلة عَلَى ذلك واضحة، كحديث أبي ذر وغيره، والمقصود أننا لا نستطيع أن نقول: إن ابن عباس رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -بناءاً عَلَى هذا الحديث- يرى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه بعينيه، وإنما يقول: رؤيا عين أي: كانت في اليقظة عَلَى الحقيقة، هي وكل ما وقع في ليلة الإسراء عامة، وليس خصوص رؤية الله عَزَّ وَجَلَّ.